خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 م بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 15 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 18 أكتوبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 م بصيغة pdf بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 م بصيغة pdf بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 م ، بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي.
١– النهيُ عن السخريةِ بالآخرين .
٢– صورُ السخريةِ التي نهَى اللهُ ورسولُهُ عنهَا.
٣– آدابُ المِزاحِ .
٤– عاقبةُ المستهزئينَ الساخرين.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 م ، بعنوان : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، كما يلي:
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ
للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 15 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 18 أكتوبر 2024م.
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فصلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين..
تابع / خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
أمَّا بعدُ
أحبتِي في اللهِ: تعالُوا بنَا لنعيشَ في رحابِ آيةٍ مِن آياتِ القرآنِ حذّرَ فيهَا الملكُ الديانُ عبادَهُ مِن السخريةِ بالأنامِ فقالَ جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:١١].
فالمؤمنُ الحقيقيُّ هو الذي يأتمرُ بأوامرِ اللهِ وينتهِي عمَّا نهاهُ. وإنَّ المتأملَ في هذه الآيةِ يجدُ أنَّ اللهَ تعالَي نهَي عن مرضٍ عُضالٍ، وشرٍّ ووبالٍ، عن داءٍ يفرِّقُ القلوبَ، ويوغرُ الصدورَ، ويُذكِّي نارَ الفتنِ، ويُجرِّئُ السفلةَ مِن الناسِ على ظلمِ العبادِ والتطاولِ على مسلَّماتِ الشرعِ وقواطعِهِ. مرضٌ خطيرٌ، وشرٌّ مستطيرٌ، لا يخلُو منهُ زمانٌ ولا مكانٌ، ولم يسلمْ مِن شرِّهِ أفرادٌ ولا أسرٌ ولا مجتمعاتٌ ولا مقدساتٌ.
ألَا وهو السخريةُ مِن الآخرينَ مهمَا كانتْ صفاتُهُم وأوضاعُهُم، فلعلَّ مَن يُسخَرُ منهُ ويُنظَرُ إليهِ نظرةَ احتقارٍ واستخفافٍ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ تعالَى مِن الساخرِ الَّذي يعتقدُ بنفسِهِ الكمالَ، ويرمِي غيرَهُ بالنقصِ.
لقد نهَى اللهُ جلَّ وعلا عن السخريةِ؛ لأنَّها توغرُ الصدورَ وتُجلبُ الأحقادَ وتوقعُ العداوةَ والبغضاءَ بينَ الناسِ.
وبيَّنَ جلَّ وعلا أنَّهُ مَن لم يستجبْ للهِ ويبتعدْ عن احتقارِ الناسِ وإيذائِهِم فقد ظلمَ نفسَهُ، ومَن كان ظالمًا فقد هيَّأَ نفسَهُ لانتقامِ اللهِ وعقابِهِ.
فهذا إبليسُ عليهِ لعنةُ اللهِ بعدَ أنْ كانَ في صفوفِ الطائعينَ سخرَ مِن آدمَ عليهِ السلامُ فقالَ: (أنَا خيرٌ منهُ) ، فباءَ بالخسارةِ والخذلانِ، ولو أنّهُ أمعنَ النظرَ في صفاتِ آدمَ لأدركَ أنّهُ يمتازُ عليهِ بصفاتٍ كثيرةٍ، أوجدَهَا اللهُ تعالَى فيهِ ليكونَ مخلوقاً متوازنَ الصفاتِ والاستعداداتِ، فعندَهُ أرضيَّةٌ للخيرِ واستعدادٌ للسوءِ، وعقلٌ للتمييزِ وقلبٌ للتنويرِ.
وفي عهدِ نبيِّنَا ﷺ حدثَ أنَّ بعضًا مِن ضعفاءِ الإيمانِ تحدَّثُوا بكلامٍ سيئٍ، سخرُوا فيهِ مِن رسولِ اللهِ ﷺ وأصحابِهِ، فكفَّرَهُم اللهُ بتلكَ المقولةِ، قالَ قائلُهُم: ما رأينَا مثلَ قرائِنَا هؤلاء، أكذبُنَا ألسنةً، وأجبنُنَا عندَ اللقاءِ، وأرغبُنَا بطوناً، وصفوهُم بكذبِ الحديثِ والجبنِ والشرَهِ في الطعامِ والشرابِ، وهُم في ذلكَ كاذبونَ، قالُوهَا مِن بابِ السخريةِ بهِم، يعنونَ رسولَ اللهِ وأصحابَهُ القراءَ أهلَ الصدقِ والإيمانِ والوفاءِ، فأنزلَ اللهُ: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)، قال الله: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:٦٥ – ٦٦.
ولخطورةِ هذا الأمرِ بالغَ السَّلفُ الصالحُ رضوانُ اللهِ عليهِم أجمعينَ في توقيهِم وخوفهِم مِن الوقوعِ فيهِ حتى قالَ عمرُ بنُ شراحبيل: لو رأيتُ رجلًا يَرضَعُ عنزًا فضحكتُ منهُ لخشيتُ أنْ أصنعَ مثلَ الذي صنعَ، وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ: البلاءُ موكلٌ بالقولِ، لو سخرتُ مِن كلبٍ لخشيتُ أنْ أحوَّلَ كلبًا..
وقال إبراهيمُ النخعيُّ: (إنِّي لأرَى الشيءَ أكرهُهُ؛ فما يمنعنِي أنْ أتكلمَ فيهِ إلّا مخافةَ أنْ أُبتلَى بمثلِهِ) – وقالَ القرطبيُّ: (مَن لقَّبَ أخاهُ أو سخرَ منهُ فهو فاسقٌ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
* وتعالُوا بنَا أحبتِي في اللهِ لنرَى بعضًا مِن صورِ السخريةِ التي نراهَا وذمَّهَا اللهُ تعالَي في كتابِهِ:
** أولها: السخريةُ مِن الشكلِ، فمَن يسخرُ مِن شكلِ أخيهِ، فهو في الحقيقةِ إنّمَا يسخرُ مِن صنعِ اللهِ، وليسَ مِن الإنسانِ نفسِهِ؛ لأنَّ الذي خلقَ هذا الشكلَ هو اللهُ وليسَ للإنسانِ دخلٌ فيهِ، فقد قالَ تعالَى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:٦]
وقال رجلٌ لآخرَ: «يا قبيحَ الوجهِ! فقالَ: ما كانَ خَلْقُ وجهِي إليَّ فأُحسنُهُ»؛ فذمُّ الإنسانِ لخلقتِهِ هو ذمٌّ لخالقِهِ، فمَن ذمَّ صنعةً، فقد ذمَّ صانعَهَا.
ووردَ عن السيدةِ عائشةَ رضي اللهُ عنهَا، قالت: (قلتُ للنبيِّ ﷺ حسبُكَ مِن صفيةَ كذا وكذا، قال: غيرُ مُسَدِّدٍ تعنِي قصيرةً. فقالَ: لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجتْ بماءِ البحرِ لمزجتْهُ)، كلمةٌ واحدةٌ قالتْهَا ولم تقصدْ بهَا سخريةً ومع ذلك قالَ لهَا رسولُ اللهِ ﷺ ذلك، فما بالكُم لو جاءَ في زمانِنَا ورأَي ما يصدرُ منَّا مِن كلامٍ في حقِّ إخوانِنَا سخريةً بهِم ماذا كان سيقولُ.. فلا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ العليِّ العظيم..
فيا أخي الحبيب، لو رأيتَ شيئًا في خَلْقِ أخيكَ فإيَّاكَ أنْ تسخرَ منهُ، وإيّاكَ أنْ تستهزئَ بهِ، فذاكَ خَلقُ اللهِ، وتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين.
** تانيًا :السخريةُ مِن الفقرِ ، فمَن يسخرُ مِن أخيهِ لفقرهِ أقولُ لهُ اعلمْ أنَّ الرزقَ بيدِ اللهِ، فلا يحلُّ لكَ السخريةَ مِن شخصٍ لفقرٍ أصابَهُ، فاللهُ الذي رزقَكَ قادرٌ علي أنْ يفقرَكَ وربَّمَا كان هذا الفقيرُ عندَ اللهِ أفضلَ منكَ، قالَ تعالَى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) [الرعد:٢٦]، وقالَ تعالَى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) [الزخرف:٣٢].
وفي صحيحِ البخارِي عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ رضي اللهُ عنهُ أنّهُ قال: (مَرَّ رَجُلٌ علَى رَسولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: ما رَأْيُكَ في هذا فَقالَ: رَجُلٌ مِن أشْرَافِ النَّاسِ، هذا واللَّهِ حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، قالَ: فَسَكَتَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ما رَأْيُكَ في هذا فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هذا حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْمع لِقَوْلِهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ مِثْلَ هذا)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (رُبَّ أشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ لو أقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
فقد يكونُ ذلك الفقيرُ الوضيعُ الذي يراهُ الناسُ حقيراً لا قيمةَ لهُ، كلٌّ يسخرُ بهِ، ربَّمَا يكونُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ أفضل، لكنَّها السخريةُ والاستهزاءُ بعبادِ اللهِ التي أعمتْ القلوبَ والعيونَ عن رؤيةِ هذهِ الحقيقةِ، قال ابنُ سيرينَ رحمَهُ اللهُ: «عَيَّرتُ رجلاً، وقلتُ: يا مفلِسُ، فأفلستُ بعدَ أربعينَ سنةً، وقالَ النبيُّ ﷺ: (إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم)، فالمنزلةُ عندَ اللهِ بالعملِ الصالحِ، وليسَ بالغنَى أو الشكلِ، قالَ تعالَى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات:١٣].
** ثالثُهَا: السخريةُ مِن المذنبِ ، فإذا رأيتَ مِن أخيكَ شيئاً مِن مخالفةِ الشرعِ فإيّاكَ أنْ تسخرَ منهُ، وإيّاكَ أنْ تحتقرَهُ، وإيَّاكَ أنْ تشمتَ بهِ، فإنَّ شماتَتَكَ بهِ وسخريتَكَ بهِ قد يعودُ البلاءُ عليكَ، والبلاءُ موكَّلٌ بالمنطقِ، وفي الأثرِ: “لا تظهرْ الشماتةَ بأخيكَ، فيعافيَهُ اللهُ ويبتلِيكَ”.
فيا أخي الكريم: إذا رأيتَ مبتلَى في دينِهِ أو في بدنِهِ فَقُلْ: الحمدُ للهِ الذي عافانِي مِمَّا ابتلاهُ بهِ وفضَّلَنِي على كثيرٍ مِمّن خلقَ تفضيلاً، فالذي قدَّرَ لهُ ما قدَّرَ قادرٌ أنْ يجعلَكَ مثلَهُ أو أقلَّ منهُ، إنْ عِبْتَهُ بنقصٍ في دينِهِ، فإيّاكَ والسخريةَ منهُ، انصحْهُ ووجِّهُهُ، أمَّا أنْ تجعلَهُ حديثَ مجالِسِكَ تتحدَّثُ عن سيئاتِهِ وعن أخطائِهِ وعن أعمالِهِ السيئةِ فرِحاً مبسوطاً بذلكَ فيوشكُ أنْ يعاقبَكَ اللهُ فتكونَ مثلَهُ، فاحذرْ مِن السخريةِ بالناسِ في أخلاقِهِم وأعمالِهِم، قال الحبيبُ ﷺ: ” المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ“، فاحترمْ إخوانَكَ، وإيّاكَ والسخريةَ منهُم والتنقصَ لشأنِهِم، وإيّاكَ أنْ تجعلَهُم مضحكةً لكَ، لتنبسطَ على عيبِهِم والتحدثِ عن نقصِهِم، فذاكَ مِن ضعفِ الإيمانِ، عفانَا اللهُ وإيَّاكُم مِن ذلكَ.
** رابعُهَا :السخريةُ بأهلِ الفضلِ والخيرِ مِن المؤمنينَ والمؤمناتِ، لا يسخرُ بأهلِ الفضلِ إلَّا مريضُ القلبِ عديمُ الإيمانِ، قالَ تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) [البقرة:٢١٢]، وقالَ سبحانَهُ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) [المطَّففين:٢٩: ٣٠]، وقد بيَّنَ اللهُ تعالَى أنَّ السخريةَ مِن المؤمنينَ صفةٌ مِن صفاتِ المنافقين، فقالَ سبحانَهُ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [التوبة : ٧٩].
ويبيِّنُ ذلكَ ما أخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي مسعودٍ، قال: “لما أمِرْنَا بالصدقةِ كُنَّا نحاملُ_ أي نتكلفُ الحملَ على ظهورِنَا بالأجرةِ لنكتسبَ ما نتصدقُ بهِ _ فجاءَ أبو عَقِيلٍ بنصفِ صاعٍ، وجاءَ إنسانٌ بأكثرَ منهُ، فقالَ المنافقونَ: إنَّ اللهَ لغنيٌّ عن صدقةِ هذا، وما فعلَ هذا الآخرُ إلَّا رئاءً، فنزلتْ: (الذين يَلمِزُون المُطوّعِين من المؤمنين في الصّدَقات، والذين لا يَجدُون إلا جُهْدَهُمْ ) [التوبة: ٧٩].
** وقد يتعللُ بعضُ أولئكَ المستهزئينَ بأنّهُ يمزحُ مع مَن يستهزئُ بهِم ويسخرُ منهُم، ونسَي أولئكَ أنَّ للمزاحِ المشروعِ ضوابط، لا يجوزُ تعدِّيهَا، ومِن هذه الضوابطِ:
** أولُهَا :ألَّا يكونَ في المزاحِ شيءٌ مِن الاستهزاءِ بالدينِ أو شيءٌ مِن مظاهرِ التدينِ؛ لقولِهِ تعالَى:(ولَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ ) [التوبة: ٦٥ : ٦٦] .
** ثانيها: ألَّا يقولَ إلَّا صدقاً ولا يكذب، ولا سيّمَا أولئكَ الذينَ اعتادُوا ذكرَ الطرائفِ بقصدِ إضحاكِ الناسِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “ويلٌ للذِي يُحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ بهِ القومَ فيكذبُ ويلٌ لهُ ويلٌ لهُ”.(رواه الترمذي)، وقالَ ﷺ: ” إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا“.(رواه أحمد).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
* ثالثُهَا : ألَّا يكونَ المزاحُ بالسخريةِ والاستهزاءِ بالآخرينَ ،وقدْ عدَّ بعضُ أهلِ العلمِ ذلكَ مِن الكبائِرِ، كمَا مرَّ معنَا في آيةِ سورةِ الحجراتِ، وقد قال ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ في تفسيرِهَا: (المرادُ مِن ذلكَ احتقارٌهُم واستصغارُهُم والاستهزاءُ بهِم، وهذا حرامٌ، ويُعدُّ مِن صفاتِ المنافقين). وتعالُوا بنَا لنرَى عاقبةَ المستهزئينَ الساخرينَ لنكونَ منهَا حذرينَ، فللسخريةِ والاستهزاءِ عواقبٌ وخيمةٌ، ونتائجُ سيئةٌ في الدنيا والآخرةِ.
* فإنَّ عاقبتَهُم هلاكٌ في الدنيا، وخسرانٌ يومَ القيامةِ، قالَ تعالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام: ١٠]، وقالَ سبحانَهُ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) [الرعد: ٣٢].
* عاقبةُ المستهزئينَ الساخرينَ حسرةٌ وندامةٌ، يومَ لا تنفعُ الحسرةُ ولا الندامةُ، قالَ تعالَى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: ٥٥: ٥٦].
* عاقبةُ المستهزئينَ الساخرينَ عذابٌ مقيمٌ في جهنمَ وبئسَ المصيرِ،قالَ تعالَى: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:١١١].
هؤلاءِ الذينَ كنتُم تحتقرونَهُم وتشمئزونَ منهُم وتسخرونَ منهُم هم الفائزونَ، أمَّا أنتُم أيُّها المستهزئونَ فأنتُم الخاسرونَ الهالكون.
* وفي الختامِ أقولُ لكُم أحبتِي في اللهِ: لا يليقُ بالمؤمنِ أنْ يسخرَ مِن إخوانِهِ، ولا أنْ يحتقرَهُم ويعظمَ نفسَهُ، بل مِن صفاتِ المؤمنِ أنْ يتواضعَ لهُم ويحبَّهُم ويعينَهُم على الخيرِ… ورحمَ اللهُ بكرَ بنَ عبدِ اللهِ حينَ قال:( إذا رأيتُ مَن هو أكبرُ منِّي سنًّا قلتُ سبقنِي بالإسلامِ والعملِ الصالحِ فهو أفضلُ منِّي. وإذا رأيتُ مَن هو أصغرُ منِّي سنًّا قلتُ سبقتُهُ بالذنوبِ وارتكابِ المعاصِي فهو أفضلُ منِّي.. وإذا رأيتُ إخوانِي يكرمُونَنِي قلتُ: نعمةٌ تفضلُوا بهَا عليّ.. وإذا رأيتُهُم يقصّرونَ في حقِّي قلتُ: مِن ذنبٍ أصبتُهُ) .
فرحمَ اللهُ عبدًا حفظَ لسانَهُ عن الهمزِ واللمزِ والاستهزاءِ بالناسِ والسخريةِ منهُم، واشتغلَ بعيوبِ نفسِهِ عن عيوبِ غيرِهِ، فالمسلمُ مَن سلمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ، ومَن سلمَ منهُ الخلقُ رضيَ عنهُ الربُّ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 18 أكتوبر 2024 : لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ، للشيخ كمال المهدي
ولو أبصرَ المرءُ عيوبَ نفسِهِ لانشغلَ بهَا عن عيوبِ الناسِ؛ لأنَّ المرءَ مطالبٌ بإصلاحِ نفسِهِ أولًا وسيسألُ عنهَا قبلَ غيرِهَا، وصدقَ القائلُ :
المرءُ إنْ كانَ عاقلًا ورعًا * أشغلهُ عن عيوبِ غيرِهِ ورعُهُ.
كما العليلُ السقيمُ أشغلهُ * عن وجعِ الناسِ كلِّهِم وجعهُ.
وها هو الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ قال: أدركتُ أقواماً كانتْ لهم عيوبٌ فسكتُوا عن عيوبِ الناسِ فسترَ اللّهُ عيوبَهُم. وقال الإمامُ مالكٌ رحمَهُ اللهُ: أدركتْ أقوامًا لم تكنْ لهُم عيوبٌ، فذكرُوا عيوبَ الناسِ، فذكرَ الناسُ لهُم عيوبًا، وأدركتْ أقوامَا كانتْ لهُم عيوبٌ، فكفُّوا عن عيوبِ الناسِ فنُسِيَتْ عيوبُهُم.
أسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنَا مِن الذينَ يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ، وأنْ يرزقَنَا التحلِّي بأجملِ الأخلاقِ، إنَّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.
كتبه :- الشيخ كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف